
ببساطة شديدة وبدون تكلّف .. المجلس العسكرى يضع الثورة فى دماغه ! .. كيف ذلك ؟ أجيبكم.
إن الملاحظ لما يدور فى مصر بعد تنحى الرئيس السابق حسنى مبارك وإسناده المسئولية إلى المجلس العسكرى لقيادة البلاد الذى كان هو بدوره قائده الأعلى قبل التنحى ,سيرى متناقضات عديدة وجمّة بغض النظر عن الشرعية التى أتى بها هذا المجلس وتفويض الرئيس المتنحى له ,ذلك الرئيس المخلوع بإرادة شعب بأكمله وهو الأمر الذى لا يقبل بالموازيين الدستورية , والتى تنص على أن الشعب هو مصدر السلطات وبالتالى هو الوحيد الذى يملك الحق فى أن يعيين من يراه سيخدم مصالحه وسيحقق له آماله وطموحاته, وأقصد هنا مطالبه التى لم يختلف عليها أى فصيل أو حزب أو جماعة وهى مطالب عادية ومشروعة بل ومكفولة للجميع وكما لخصتها الثورة ( العيش والحرية والكرامة الإنسانية ,العدالة الاجتماعية) والعيش هنا بمعناه المعروف لدى البسيط " لقمة العيش" وبمعناه المركب عند الثورى " المعيشة الكريمة", والحرية بمعناها المطلق " التحرر من تسلط الحكام والمسؤولين وأى تسلط مُورس ضد حرية الفرد ومصادرة حقوقه فى الحياة الكريمة, كذلك مطلبى الكرامة الإنسانية والعدالة الإجتماعية, هذه هى أولى مطالب الثورة والثوار والتى لم يستطع المجلس العسكرى وحكومته أن يقوموا على تحقيقها ..
ثم دعونا لنتساءل أسئلة عدة لنعلم أن قد حقق المجلس ما أُريدَ للثورة من مطالب أم لا خلال فترة حكمه الغير شرعية وحتى تاريخ تسطير تلك الكلمات , فقط إذا أردنا التعرف عن إنجازات المجلس لابد لنا أن نقف عند مطالب الثورة والثوار أولا, ثم نعقد مقارنة مابين الأثنين حتى لانُتهم بغير الإنصاف :
- ثورة 25 يناير طالبت بالعيش كما ذكرنا وكما هو معلوم , وهو المطلب الأول للثوار, نظرا لأن الواقع المزرى لحياة المصريين وظروف معيشتهم وحياتهم أصبحت لا تحتمل , فالفقر مدقع , والجوع سيد الموقف فى كثير من الأحيان, وعند مراجعة الحكومة المكلفة من قبل المجلس العسكرى والتى تولت مسئولياتها منذ 10 أشهر مضت حتى تولى حكومة أخرى الأمور, نجد أنه فى خلال تلك الفترة قد أرتفعت الأسعار وغلت المعيشة فى كل نواحيها, وتدهورت الرعاية الصحية إلى أقل معدلاتها, كذلك أنخفض متوسط مستوى الدخل للفرد فى مصر, وفى مقابل هذا نرى إكتراث المسئولين بالمطالب الفئوية التى ظهرت أبان ثورة يناير وتلتها بموجة غضب عارمة فى جميع القطاعات وعلى مستوى الجمهوية ككل, وبمراجعة المطلب الثانى من مطالب ثورة 25 يناير وهو الحرية , سنرى أن سياسة القمع الفكرى والحد من حرية التعبير وتكميم الأفواه الصادقة وكل من تسول له نفسه أنتقاد سياسات ادارة المجلس العسكرى للفترة الإنتقالية , وأصبحت تلك " السياسة " هى الأداة التى يستخدمها المجلس العسكرى لتحقيق الأمن من وجهة نظر أعضاءه , ضف على ذلك حشد السجون الحربية بآلاف المتظاهرين والنشطاء السياسين وممارسة إنتهاكات قانونية صارخة وعقد محاكمات عسكرية سريعة وحاسمة ولا تخضع لأى عرف دولى أو حتى محلى, يكون فيها المجلس فى صورة القضاء العسكرى هو الخصم والحكم, أيضا أطلاق الشائعات على اى فصيل أو حركة تشكل خطراَ على بقاء المجلس على قمة هرم السلطة, كأطلاق الشائعات على حركة سياسية كان لها الدور الأكبر فى إطلاق شرارة الثورة, حركة 6 إبريل التى كانت ومازلت تحارب ضد الفساد وضد طيغان النظام السابق ودفعت من شبابها الثمن بألقائهم فى السجون مرارا قبل الثورة, وأستطاع المجلس الموقّر أن يلف الحبل حولها جيدا ويحكم ربطه بخلق حالة من العدائية أنتقلت أثارها إلى المواطن البسيط فأصبح هنالك قدر غير يسير يرتاب فى أمر تلك الحركة ويشك فى نواياها وماتهدف إليه, كل هذا ولم يثبت المجلس ولا أعضائه صحة أى أتهام وجهه إلى تلك الحركة التى لم تلبث ان دافعت عن نفسها بضراوة شديدة ولكن مثلما يقول المثل الشعبى" العيار اللى ميصبش يدوش".
وتسخير أجهزة الدولة كالإعلام الحكومى والصحافة القومية وبعض من لهم مصالح فى تمكين وجود المجلس فى موقعه على هرم السلطة فى مصر على ان يكونوا المنبر الذى يدافع عن المجلس وشرعيته المزيفة, وتفانى المنافقون ومن لهم مصلحة فى وجود المجلس فى الحُكم على أظهار الولاء والبراء, وسادت لغة التخوين بين أطياف الشعب المصرى المختلفة وأيضا المتباينة ,أضافة إلى إختلاق العديد من الأزمات الواحدة تلو الأخرى لإجهاض الثورة وتعطيل مسارها بشتى الطرق والسبل, وهنا أقف على بعض المراجعات نستنبط منها التأكيد على كل ماسبق ذكره :
- المجلس العسكرى بعد تنحى الرئيس يعلن فى أكثر من مناسبة ومن خلال بياناته على موقع الفيس بوك أنه تلقى أوامر بقتل المتظاهرين ويقرر أنه رفض ذلك الأمر تضامنا مع الثوار وحماية للثورة الشريفة, ثم بعد ذلك يخرج علينا وزير دفاعه ورئيس المجلس الأعلى ناكرا ذلك الأمر ومقررا أنه لن ولم يتلقى أى أمر رئاسى بأطلاق الرصاص تجاه المتظاهرين, تضارب فى الأقوال وعجيب فعلا ما حدث ويدعو للأستغراب والتساؤل ,
فممن أذن تتلقون أوامركم وأنتم سلطة عليا ومنفصلة وليس لأحد قرار عليكم سوى رئيس الجمهورية.
- المجلس العسكرى قبل ذلك يفتح الطريق للبلطجية ( موقعة الجمل الشهيرة ) لينالوا من الثوار, والتى ثبت أنها تمت بعلم المجلس وبتسهيل قواته المسلحة المتواجدة لحماية المتظاهرين فى الميدان !
- المجلس العسكرى يضع خطة زمنية قدرها 6 أشهر لأجراء أنتخابات برلمانية ورئاسية (أقر بها أحد أعضائه وأكدتها أحدى بياناته على الفيس بوك فى شهر مارس الماضى ), وإلى الآن لم تتم إلا مرحلة وحيدة فقط من الأنتخابات البرلمانية "مجلس الشعب" علما بأنه امامنا قبل انتخابات الرئاسة أنتخابات مجلس الشورى.
- المجلس العسكرى يقر الأستفتاء الذى تم فى 19 مارس أستفتاء ( نعم ولا ) ثم مايلبث أن يلغى نتيجة الأستفتاء بإعلان دستورى يخدم مصالحه فى السلطة أكثر مما يخدم الشعب نفسه.
- المجلس العسكرى يطرد ضباطه المعتصمين مع الثوار فى ميدان التحرير ويقبض على بعضهم ويحيلهم إلى محاكمات عسكرية عاجلة, وهنا لنا ان نقف وقفة سريعة ومفاداها
"أنه إذا كان لك الحق فى ممارسة حقك القانونى على من تراهم مخالفين لنظامك العسكرى" إن هذا لا يمنحك الحق فى أن تقبض على من تراهم بلطجية بنظرك , واكثرهم المتظاهرين الموجودين فى ميدان التحرير وباقى الميادين الاخرى الذين لم يعتدوا على أحد ولم يخربوا ولم يهدموا منشأة ولم يعيقوا العملية الإنتاجية كما تدعون دائما.
- المجلس العسكرى يمارس كشوف العُذرية على من سماهم " بفتيات الدعارة "..
وحقوق الانسان تكشف كذب وتدليس هؤلاء , ثم شهادة أخت فاضلة تروى لنا كيف كانوا يتعاملون معهن أمام الجنود فى السجن الحربى, والقصة معروفة بتفاصيلها للعوام , الحقيقة أننا عندما نقول المجلس العسكرى لا نقلل من شأن قواتنا المسلحة فى شىء, فشتان الفرق بين أن نساوى بين الجندى المسكين الذى يدفع سنوات من عمره هباءا فى حالة السلم التى نعيشها لمن لا يقدرون ذلك, وبين المجلس العسكرى المحترم الذى نكن له كل إحترام !.
- المجلس العسكرى يتورط فعليا فى أحداث ماسبيرو, وبالكشف عن الأزمة سنجد ان إدعاءات المجلس حينها كانت " ان هؤلاء أناسا لا يريدون الخير لمصر وأنهم مخربين" , كذلك أدعاءه الباطل للأقباط بأنهم من بدأو المجلس إطلاق الرصاص , ونفي المجلس لأى أثبات يؤكد إطلاق الرصاص من جانب القوات المسلحة,والسؤال هو : حتى وإن كان مال بعضهم إلى أثارة الشغب فهو لا شك لا يستحق ان يكون تحت عجلات سارقى المدرعات !
كما أن الإعلام الحكومى الموجه الساقط إستطاع ان يهز صورة الأقباط لدى الجمهور بإدعاءاته الباطلة الخالية من الحقيقة والتى تلقى باللوم كله على المتظاهرين الأقباط , وحتى إذا صدقنا وسلمنا بان منهم من أخطا فى حق الجيش وقام بالتحريض على مطالب غير مشروعة كالأستقواء بالخارج , يبقى ان يكون للكبير دائما دورا بالأحتواء للصغير حتى ولو كان هذا الصغير مذنبا وهو مالم يفعله هذا المجلس , إن الله غفور رحيم .. مابالنا نحن البشر !.
- المجلس العسكرى يفتعل أزمة جديدة مع ثوار محمد محمود وثوار ميدان التحرير ويتسبب فى قتل العشرات منهم بالمشاركة مع وزارة الداخلية , وهنا يقف الجميع من أبناء مصر متضامنين على أرض ميدان التحرير بكل فصائلهم المختلفة وإنتمائاتهم المتنوعة فى مواجهة ميدان أخر يسمى العباسية, وهو الميدان الذى أمتلأ ببعض الآلاف مطالبين من فى التحرير بفض الاعتصام والبعد عن وزارة الداخلية ومتحفزين للمخربين فى ميدان التحرير الذين يطالبون بسقوط المجلس العسكرى, وللحق أقول : فقد نجح المجلس العسكرى فى حشد مؤيديه الذين هم على أصنافهم يختلفون, بعضهم دفعته الظروف الصعبة من إنعدام الأمن المفتعل والمقصود به معاقبة الثورة والثوار..
إلى الظروف المعيشية والغلاء المرتفع , إلى الأقتصاد المتدنى نتيجة سوء الادارة من الحكومة التى أثبتت فشلا ذريعا فى أدارة الازمات, كما ان إختلاق الأزمات المتكررة فى عدة مواقع من اجل وضع صورة محددة سلفا فى أذهان المصريين وهى " أن الثورة الشريفة التى أطاحت برأس النظام ولم تطيح بجسده حتى الآن " هى ثورة خونة وعملاء ومرتزقين وأصحاب مصالح ونخبة وأحزاب تسعى لمصالحها وغيرموالية للنظام الحالى
( المجلس العسكرى ) ثم إن الكثيرون منهم أيضا يرون ان مادعت له الثورة إذن لم يتحقق , وبالتالى ما الفائدة من اللهث وراء مطالب لن يتحقق منها شيئا.
كما أنه مع عمل مقارنة سريعة لأوضاع ماقبل ثورة يناير ومابعدها , سيرى الكثيرون أن الأوضاع كانت فى السابق أفضل وأن ما لمسوه من مطالب دعت إليها الثورة لم ينجز منها شىء بأستثناء بدء إجراء الأنتخابات البرلمانية والأنتهاء من المرحلة الأولى فى أنتخابات مجلس الشعب وفى المقابل سيرون فساد يزداد كل يوم وأسعارا ترتفع أكثر من المعتاد حتى قبل الثورة, وركود فى الإنتاج , وقلة فى الموارد , وأمن غير مستبب ولا منعقد !
وبطالة فى تزايد ومعيشة مرتفعة وغلاء مستحكم.. إلخ من الأوضاع التى ألت إليها مصر بعد الثورة ! , وهل لنا الآن أن نكون واقعين فى حكمنا على الثورة وان نعلم أن من يريد لمصر ألا تتقدم هو من يدافع عن نظام فاسد لا يزال يحكم حتى الآن , وإنه كلما تفاءلت الجماهير بتحقيق مطلب من مطالب الثورة العظيمة تراجعت أسهم هذا التفاؤل لديها حينما يدرك المجلس العسكرى يوما وراء الأخر انه سيسلم السلطة وسيكون فى مواجهة صعبة مع من ستكون له غلبة التشريع فى مجلس الشعب وأصدار القوانين , وأنه أيضا كلما أدرك المواطن البسيط ان عليه أن يستسلم لمجريات الأحداث وتلاحقها السريع عليه بأن يدفع أكثر من قوته وكرامته وإنسانيته , وأن لا يفكر أبدا فى تطوير مفردات حياته إلى الأفضل ومن ثم ينسى مطالب الثورة وما دعت إليه.
جاءت تصريحات اللواء الملا الأخيرة لتنذر ببوادر أزمة وشيكة بين الفصيل القوى المحنك سياسا " الاخوان المسلمون" والذى متوقع له الأغلبية فى مجلس الشعب وبين المجلس العسكرى الذى تمارس عليه ضغوطا من الخارج لكى يُبقى على الأوضاع الحالية أكثر فترة ممكنة بدون أى تعديلات أو تغييرات, حفاظا على المصالح الخارجية , من المعلوم جيدا أن أمريكا التى تتغنى لنا وللأخرين بدميقراطيتها المزعومة , هى أكبر المستفيدين من بقاء الوضع الحالى كما هو عليه , مخافة من مقابلة التيار الأصولى الذى تراه عائقا فى عملية السلام فى الشرق الأوسط, خاصة مع إستفحال هذا الخطر فى عدة دول متقاربة ومترابطة جغرافيا, وهى دول الشمال الأفريقى ( المغرب – تونس – ليبيا - ثم مصر ) وانا أقول أصولى هنا لأن هذا هو التعبير التى تطلقه الولايات المتحدة على أى تيار إسلامى تراه متشددا فى نظرها وقد ينبثق عنه تيارات جهادية تذيق الولايات المتحدة الويلات كما فى أفغانستان وغيرها من الدول التى لها وجود إستعمارى فيها.
أستطيع أن أجزم بأن قادة المجلس العسكرى لا يهمهم مطالب الثورة ولا الثوار حتى لو أعلنوا أنهم معها مرارا وتكرارا, وادّعوا كما هو المعتاد أنهم ساهرون على حمايتها على طول الخط برغم بطلان أدعائهم هذا, فهؤلاء القوم وإن حكمنا على مظاهرهم العسكرية التى ترهب الكثيرون لما فيها من الوقار والحشمة المبالغ فيها , لنا أن نقول ان الجانب الأخر من هذا المظهر ينم عن رخاء ونعمة فاحشين , فمن منا لا يتذكر المعونة الأمريكية
( الصدقة المُجزاة التى تمن علينا بها أمريكا فى مقابل خنوعنا لها وللجوار الإسرائيلى) ولا أحد يعلم كيف تذهب ولا إلى أين تئول تلك المعونة المقدرة بأكثر من حوالى مليار وربعمائة مليون دولار أمريكى, ناهيك عن الصمت المخزى على فساد سرى وأستشرى لمدة تزيد عن 19 عام هى فترة وزارة المشير طنطاوى , ومدة أقصر نسبيا هى فترة وجود لواءات المجلس العسكرى وقادته على هرم السلطة والقيادة فى الجيش , يمُن فيها الرئيس السابق ببدلات الولاء عليهم من جيوبنا , ويُعين من أُحيل فيهم على المعاش إلى محافظين ورؤساء للمحليات,
تبقى كلمة أخيرة أنذر بها كل ذو لُب وقادر على ربط كل مسألة بأختها, ان جميع الثورات التى قامت فى العالم والتى أذهلت الجميع قابلت صعوبة فى تسليم السلطة , خاصة إذا كانت تلك الثوارت ديمقراطية و قائمة على موازيين العدل والمساواة والمواطنة وأحترام حقوق الأقليات والأخرين كثورتنا العظيمة ثورة 25 يناير , وبالتالى ليس سهلا أن تتنازل القوى الحاكمة عن سلطاتها والمتسلطة على رقاب الشعوب لسنوات طويلة إلى قوى منتخبة من قبل الشعب, وهو ما أستشعر خطورته الآن وأرهب دلالات حدوثه التى ستنجلى للعيان بعد إنتهاء الأنتخابات البرلمانية والأستعداد لوضع الدستور, وهو ما سيدفعنى لفرملة قلمى الآن ترقبا وأيضا متمنيا من كل قلبى أن يخيب الله ظنى هذا,
ويبقى أن نذّكر أن كلٌ منا له رقيب , ورقيب من يراقبنا هو الله تعالى , والله المستعان على مايصفون
بقلم/ محمد حمدتو
10-12-2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يشرفني تعليقك :)