
بمناسبة يوم المرأة الدولي..أفحكم الجاهلية يبغون !
لي صديق يعيش في القاهرة حكى لي اليوم حكاية عجبت لها .. تزوج هذا الرجل امرأة من أصول ريفية من أحدى قرى الجيزة , على ما أذكر " الصف " .. هذه المرأة مات والدها وترك لهم . هي وأخوتها الرجال . تركة وفيرة من الأملاك والأراضي الصالحة للزراعة بطبيعة الحال..
وبعد أن جلسا سويا " هذا القاهري وزوجته الريفية " بعد ان انتهت مراسم العزاء ولاح التفكير في الميراث المستحق من تلك الأموال , طلبت الزوجة من زوجها عدم الخوض في هذا الحديث مرة أخرى بعد أن قام الزوج بمفاتحة زوجته في الأمر , استغرب الزوج للوهلة الأولى رد فعل زوجته , وتوقع أن تكون قد فهمت أنه طمع في أن يشاركها فيما سيؤول إليها من نصيبها في تركة أبيها , فما كان منه إلا ان وضح لها ان الامر لا يعد كونه سوى البحث عن حقها الشرعي في ميراث أبيها..
فاجأت الزوجة زوجها قائلة بأن مجرد فتح الموضوع مع اخوانها الرجال سيسبب مشاكل لا حصر لها , اندهش الزوج من كلام زوجته وبدأ يلح عليها في معرفة الاسباب الحقيقة التي دفعتها لقول ذلك , ردت عليه قائلة : أرجوك لا تفتح هذا الموضوع معي مرة أخرى
خاصم الرجل زوجته أياما عقابا لها على عدم مصارحته بما في نفسها , أبتدأت الزوجة تشعر بداخلها بقليل من تأنيب الضمير , وتحت الضغط الواقع عليها أثر تلك القطيعة , قامت الزوجة بشرح اسبابها لزوجها والتي دفعتها لرفض الخوض في هذا الحديث.
عندما ذكر لي هذا الرجل السبب الحقيقي وراء رفض زوجته فتح ذلك الحديث معه , تعجبت كيف يكون هذا هو تفكير بعض المصريين ونحن نعيش الآن زمان صخيب بكل ماهو " فكري وديني " حينما تلتف أرادة كثير من رجال الأمة حول قضايا ليست أكثر أهمية مما سأسرده عليكم , الحكاية وما فيها أن المرأة المصرية في بعض قرى الريف وفي وكثير من الأحوال لا ترث في تركة والديها , وليس لها الحق في ذلك , حيث ان مجرد التفكير في ذلك الأمر سيفتح عليها ابواب نار من جهنم وستقوم تلك النار بلفح وجهها على الفور , تلك النار التي ستأتيها من أقرب الناس إليها أخوتها من أمها وأبيها , حيث لا يحق لها المطالبة في حقها في الميراث , ببساطة لأن الأعراف في تلك القرى ترفض الأمر شكلا وموضوعا وتعتبر أن مجرد الحديث فيه هو خروج عن العرف والتقليد المتبع في هذه القرى.
المشكلة الأكبر أنه مع الاستفسار أكثر من الرجل عن الأمر تبين لي أن صعيد مصر أيضا لا يزال يعاني من تلك الأعراف التي لا ترتبط مطلقا بشريعة الله في خلقه وما قد قرره لنا مسبقا بحكمة هو أعلم منا بها , وتعتبر هذه القرى المرأة في نظرها عنصرا ثانويا , العجيب في هذا الأمر أن الرجل هناك لا يجد غضاضة في الجور على حق أخته في ميراث والديه , مستندا إلى تلك الأعراف الظالمة , ومكتفيا فقط بأعطائها مافيه النصيب كل شهر أو حتى كل عام , وبدون أدنى أحساس بالذنب يفعل ذلك , وياويلها من يخونها عقلها لمجرد التفكير في المطالبة بحقها في الميراث , تتعرض للقطيعة والمخاصمة من أخوانها الرجال , تصل آثار تلك القطيعة إلى عدم حضور عزاءا لتلك المرأة , فقيدا لها ابنا كان أو زوج أو حتى عزاء تلك المرأة نفسها حين تتوافاها المنية.
حقيقة تتألم نفسي لحال هؤلاء الرجال الذين لا يجدون حرجا في إعلاء شرائعهم الخاصة على شريعة الله التي راعى فيها مسبقا مايرونه مبررا لما يدفعهم لذلك , وهو ان للرجل القوامة على المرأة وأنه هو من يعول وينفق ومن ثم يقدمون في الجور على حقوق أخواتهم النساء , وتذكرت حال القوم في شبه جزيرة العرب قبل الاسلام حينما كان يرزق أحدهم بمولود ثم يكتشف أن وليده هذا بنت , وما يصيبه بعدها من ضيق نفسي يدفعه لمواراة نفسه بعيدا عن الناس خجلا وعارا مما ابتلي به , أو قد يدفع البعض منهم لوأد عاره بيده , (أفحكم الجاهلية يبغون) !
محمد حمدتو
2012-3-8
نشرت بموقع جريدة الشروق الألكتروني بتاريخ 9/3/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يشرفني تعليقك :)