
المتكالبون على الثورة
كثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطن , هكذا حال مصر الآن أو كما قال مهاتما غاندي المناضل الهندي الشهير , قالها ولم يكن يدرك أنه ليس الوطن الذي دافع عنه في محاربة الاستبداد ومن أجله قد ناضل وسجن وقتل , ليس فقط هذا الوطن الذي قد صدقت فيه تلك المقولة , إنما يوجد أوطان أخرى من المفترض أنها على أعتاب تحقيق الديمقراطية مثل مصر.
المتكالبون على الثورة تكاثروا وتزايدت منابرهم ومواقعهم بشكل كبير , إعلام الفلول تفشى وفاق الحد والوصف , أستثمر فلول النظام السابق أموالهم الطائلة في صناعة ميديا ضخمة وأنفقوا عليها بسخاء , ففتحت لهم قنوات وفضائيات جديدة وتم شراء قنوات أخرى من أصحابها , وسرّحوا منها كل صوت حق يسعي لكشف مخططاتهم ومايدبرونه للقضاء على الثورة وابدالهم بأخرون يخدمون توجهاتهم ومصالحهم , واستطاع هؤلاء تسخير تلك الأبواق في خدمة رسالة حددوها مسبقا وأتفقوا عليها , وقاموا بتجنيد الاعلاميين الفاريين من تحت عباءة التلفزيون المصري لكي يقدموا للجمهور تلك الرسالة المغلفة بروح الثورة والتي حين يطّلع عليها الثوار أو من يشبهم لأول وهلة يفهم معناها ( الثورة = فوضى + انعدام أمن ) وقد نجحوا في ذلك نجاحا ملحوظا دعهمهم في ذلك خذلان وانحطاط ملحوظ في أداء المجلس العسكري الحاكم , بجوار نغمة التخوين السائدة الآن واتهامات العمالة التي توزع جهارا وبكل وقاحة على كل من تُهيأ له نفسه مقدرة بداخلها على فعل قد يدفع ثمنه مستقبلا ( كما جنيت على نفسها منظمات المجتمع المدني حينما سعت على ملاحقة أعضاء المجلس العسكري قضائيا ) أمام ساحات القضاء المدني على كل جرائهم التي أرتكبوها في حق الشعب المصري فدفعت هي بذلك الثمن بأن أصبحت في مكان من كانت تتمنى أن تراهم وراء القضبان.
المتكالبون أيضا دعاة وشيوخ سلطة أو بالمصطلح الدقيق ( شيوخ سلاطين ) وهبوا أنفسهم للدفاع عن من هم في موقع السلطة أياً كانوا , لم نسمع لهم صوتاً من قبل حين كنا في أمس الحاجة إليهم ليقوموا بدورهم الحقيقي ويقدموا النصح للسلطان الحاكم حينما أجار على شعبه , فلم يطبقوا الحديث الشريف " أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " إنما كان جهادهم من نوع أخر مختلف ومميز جعلهم في مصاف الصفوة والمستفيدين بقربهم من السلطة , لم يخرجوا أبدا من اجل شعب أُنهكت قواه وخارت عزائمه وأصبح العدم غذائه حيث لا مورد له , والتلوث أكسجينه حيث لا صحة ولا هواء , والمرض حليفه وقرينه حيث لا رعاية ولا علاج , وتسليته الوحيدة في الحياة كانت مشاهدة مباريات المنتخب القومي والانجراف في التشجيع رغبة في النسيان أو التناسي , والفرجة على افلام عادل إمام وهو يقبل الصبايا كانت هي الملاذ لاخراج مابه من شهوة أو رغبة لم يعد قادرا على تفريغها بشكل شرعي حين فكر في أن يعف نفسه ويصونها بالزواج فوجد الأمر أكبر بكثير مما تصور أو تخيله عقله.
المتكالبون صعدوا على السلطة الآن وفي أيديهم كل الصلاحيات التي منحتها لهم تلك السلطة حين أختارهم الشعب ليمثّلوهم في البرلمان , وظننا كما ظن من منحوهم أصواتهم أنهم سيعيدوا الحقوق المسلوبة والأموال المهربة , وأنهم سيحاكمون القتلة وأعوانهم وسيقوّضون أذناب فلول النظام البائد أو سيشلون حركتهم حتى لايعثوا فى الأرض الفساد , فلا رأينا حقوقا أُعيدت ولا أموال أُستردت ولا رأينا حساب ولا عقاب لمن أجرموا وقتلوا وأصابوا الكثير من أبناء الشعب المصري , ولا أنتهت في أيامهم البلطجة وتلاشت أثارها , ولا تم حساب من أجرموا وزجوا بالجيش المصري في مواجهة مع الشعب في أكثر من موقعة , ولم يسعى أحد منهم في تهدئة الرأى العام بأتخاذ أي اجراء مناسب يشفي الصدور ويهدأ من روع الآمنين ويطمأن العامة على مستقبل البلاد في عهدهم , لا أعلم متى يستشعر النواب الموقرون في المجلس الموقر ( مجلس الشعب ) حجم المأسي التي نعيشها الآن , متى سيعملون على اخماد النيران التي لازلت مشتعلة في صدور الأمهات ممن فقدوا أبنائهم , وشيئا فشيئا بطبيعة الحال سيُنسى أي حق مشروع أو وراءه مُطالب كما نُسي غيره وضاع في صخب الأحداث وتتابعها , وبعد عام مضى على قيام ثورة كانت من أهم مطالبها " العيش والحرية والعدالة الأجتماعية والكرامة الأنسانية " تتكالب كل القوى المتصارعة على الوجود في السلطة وأخرى على البقاء بعيدا عن أسوار سجن طرة , في مطاردة أي أثر ملموس للثورة وتسعى جاهدة للقضاء عليها , هكذا أشعر ولا أخفيكم بداخلي خوفاً من كل ماسبق ولا ملامة عليّ أو على غيري , إنما اللوم كله على من غفل قلبه وعقله عن الحق وجعله شيئاً فشيئاً ينسى ماقامت من أجله الثورة ودعت له منذ أن بدأت.
المتكالبون على الثورة لم يسعوا لضبط الأمن المنفلت زمامه وتحقيق الأمان في البلاد , بل حرضوا آلاتهم الاعلاميه لترويج فكرة باطله , وهي أن الشرطة قد كسرت شوكتها وفقد أبنائها الثقة في العودة لممارسة مهامهم من جديد دون تعرض الشعب لهم بالايذاء , وكأنه مكتوباً على هذا الشعب إما أن يرضخ لأسلوب العصا أو أن يلجأ لحماية نفسه بنفسه , وقد أغمضوا العين عن ان فكرة " الباشا " ضابط الشرطة , هي فكرة داخلية قد نبتت مبكراً بداخل ضابط الشرطة منذ أن كان طالبا في ( أكاديمية مبارك للأمن ) وتم رعايتها بعناية وأثمرت عن نشوء جيل كامل بل أكاد أجزم أنها أجيال بكامل قوتها إلا من رحم ربي وهم الشرفاء فيها , هؤلاء المخدوعون يؤمنون بتلك الفكرة بل ويورثونها لمن يخلفونهم , وهي حجة باطلة لا شك .. فلا الشرطة كسرت في الأساس ولا الأمن قد عاد ولا تحقق النجاح المرجو للشعار " الشرطة في خدمة الشعب " والعائد بعد حدوث الثورة.
المتكالبون على الثورة هم فينا وفيهم , وفينا حين صمتنا على أن تسرق الثورة وأهدافها التي قامت من اجلها بدون أن يتحقق لها النجاح المطلوب , ولم نظل على إيماننا بها بنفس القدرة التي بدءناها حين قامت من أول يوم , وفيهم لكل ماسبق عرضه اعلاه , وحيث لا آمال بدون العمل , علينا أن نفيق من السبات الطويل الأمد الذي نحن فيه ولن يؤدي بنا إلا إلى اعادة صناعة النظام السابق بكل تفاصيله وهيئته التي كان عليها قبل الثورة , وأن نرفع قيمة حب الوطن بالعمل من اجل حمايته ممن يسعى ليتكالب عليه طمعا أو سطوا .. الجميع سواء .. والله من وراء القصد وهو أحكم الحاكمين.
محمد حمدتو
25-2-2012
نشرت بموقع جريدة الشروق الألكتروني بتاريخ 27/2/2012